http://scmplayer.net

الاثنين، 3 يوليو 2017

إمرأة أمية ... و صانعة رجال.. بقلم الاديب / ناصر أحمد الشريف.

إمرأة أمية ...و صانعة رجال
-----------------------------
لم أتعرف إليها في حياتها ، لكني عرفت كثيرا من أعمالها بعد رحيلها ، رحمها الله ، هي إمرأة تنطبق عليها مقولة شوقي ، الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراف...
كانت الزوجة الثانية ، لرجل يعمل نجارا ، في إحدى القرى ، وكان إلى جانب ، عمله يعمل في حراثة الأراضي ...
لم تكن لزوجها أية منزلة إجتماعية، ومع ذلك فقد قبلت أن ترتبط به ، رغم أنها كانت إبن أحد كبار الإقطاعيين في منطقتها ، لأنها كانت من الفطنة بمكان ، بحيث عرفت بأن ثروة أبيها ، لن تنال منها و لو شرو نقير ، كعادة كثير من أهل القرى ، ممن يحرمون بناتهم من الميراث ، مخالفين بذلك سنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي كان دائم الوصية بالإحسان إلى المرأة، إبنة ، و زوجة ، و أم أو عمة أو خالة...
و هؤلاء الذين يخالفون هدي الرسول صلى الله عيه وسلم ، كثيرا ما تجدهم ، يزعمون كذبا و زورا ، محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يخالفون سنته و هديه ، في إعطاء الأبناء نصيبهم كاملا من الإرث ،،، فقد كانت ، عادة حرمان ، البنات من نصيبهم من تركة الأب ، عادة ذميمة ، شائعة ، خاصة لدى أهل النجوع و القرى.
تزوجت ، صاحبتنا ، من ذاك الفقير ، و أنجبت منه أربعة من الذكور ، و إبنة واحدة ، و نسجت من طيبة زوجها ، و بيتها الرث ، مصنعا للرجال الرجال.
كان الحزم في تعاملها مع أبناء أسرتها ، هو المبدأ الأساس في ، تسيير كل شؤون البيت ، كانت ، تدرك أنها ، فلاحة ، و أن أساس نجاح أي أسرة هو أن تكون أسرة منتجة ، و أن زيادة مقدرات المنزل تتطلب من جميع أفراد الأسرة ، العمل بلا كلل أو ملل ، لتكون في مأمن من غدر الزمان و عضاته.
كانت تردد حكمة ، "كل قماشة و إن زاد ثمنها عن المية ....في مكب النفايات يوما ستكون مرمية " ، تنتقد في حكمتها تلك ، بواكير تحولات المجتمع العربي ، من مجتمع إنتاجي ، إلى مجتمع إستهلاكي ، بعيد حرب رمضان 1973،
فبعد أن كن النسوة في شباب صاحبتنا ، يتسابقن في كثرة أعداد ، شجرات الزيتون التي كن يقمن بإعدادها للشتاء القادم ، فقد بدأت تظهر في الأفق أجيال من النسوة صرن يتباهين بأثمان فساتينهن ، و ثيابهن ، مع أن أي فستان ، مهما غلا ثمنه ، فهو في نهاية أمره ، سيصير قطعة قماش بالية تلقى في أقرب مكب للنفايات!!! لكن شجرة الزيتون الواحدة ، قد تكفي عائلة ، حاجتها من زيت الزيتون لشهر كامل ،
و الفلاح ، حق الفلاح ، لا يعرف شراء الزيت ، لكنه يعرف ، بأن الزيت –وقت الشدة،قد يعار – و كذا فعلت صاحبتنا هذه ، يوم أخذت كوبا فارغا ، إلى منزل أخيها ، ممن حاز كل ورثة والدها ، تستعير منه ملئ هذا الكوب زيتا ، بعد أن نفذ ما عند بيت زوجها من زيت ، فردها ذاك الأخ ردا قبيحا ، بكوب فارغ ، و قلب دام ...
بدأت تلك المرأة مع زوجها و ابنائها ، حياتها من الصفر ، فجمعت لتقتني أول شاة ، ثم توالدت الشياه عندهم ، و تحولوا مع مرور الأيام إلى تربية البقر ، إلى أن صارت الأبقار ، هي عماد حياتهم ، و نبراس أعمالهم ، فالبقر ، لإنتاج الحليب و السمن و غيرها من أساسيات المؤنة للمنزل المتواضع.
و بدأت بشائر التحسن تظهر على أفراد عائلة هذه الأم العظيمة ، و صارت تبتاع العقارات ، و تشتري الأراضي ، ولكن ضمن الحدود الدنيا ، وشرعت ، تخصص جل عنايتها ، لتربية أبنائها ليكونوا ذوي شأن في قريتهم .
كان أهل قريتها ، ينبزون،بعدها عن تشييد البيوت، كعادة غالبية الفلاحين في منطقتهم ، مقابل بذلها جل أوقاتها في توجيه أبنائها ،و إنفاق غالبية مدخراتها في تعليمهم و إكسابهم أفضل الشهادات ، و توجيههم ليستلموا وظائف مما تدعو إلى الفخر و الإعتزاز ،فكانت تلقم شانئيها حجرا بقولها "أنتم تبنون الحجار ، و أنى أبني الرجال !!!"
صاحبتنا عمرت إلى نهاية الثمانين ، ولم ترحل عن هذه الدنيا ،إلا بعد أن غدا أحد أبنائها ، مهندسا ، تعدت ثروته المليون دولار ، و أحد أبنائها ، كان رجلا من كبار مدراء إحدى الوزارات ، و عندها أكثر من أربعة أحفاد أطباء ، و ما يزيد عن العشرة مهندسين ، و عدة من دكاترة الجامعات !!!
حين إنتهت حياة هذه المرأة العظيمة ، تقصفت الجموع من شتى ضواحي عمان ، لتسيير في جنازتها ، و الكل منكسر البال حزين الخاطر لرحيل هذه المرأة العظيمة ، فقائل يقول ، هذا لعظيم هيبة أبنائها ، وقائل يقول ، بل هذا من عظيم إحسانها ، لكثير من أهل البيوتات المستورة ، ممن عرفوا لها عظيم إحسانها ، و كثرة صلاتها ، و صدقاتها...
هذه المرأة كانت إمرأة أمية ، كانت فلاحة لا تقرأ و لا تكتب ، لكنها ، إمرأة صنعت بكدها ، و تعبها ، مستقبلا مشرقا منيرا ، لأبنائها و أحفادها ، ممن تجاوز عدد بيوتهم و أسرهم الثلاثين عائلة ، ممن يضرب بهم المثل اليوم ، بحسن الأدب ، و لطافة المعشر ، وحسن الصحبة !!!
----
ناصر احمد الشريف


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق